إدوارد بن اليعازر

إدوارد بن اليعازر - Edward Ben Eliezer

في أعقاب الغزو البريطاني لبغداد في شهر أيار/مايو عام 1941، كان رد فعل سكان المدينة العرب سريعاً وموجهاً. فقد انطلق عنان العنف ضد السكان اليهود، الذي شمل إدوارد بن اليعازر وعائلته.
لقد جاءت أعمال الفرهود وواجهت الفتى إدوارد البالغ من العمر عشر سنوات بشئ من الغضب. كان مع جدته مسعودة، بما يبدو أنهما في وضع آمن وراء الباب المحصن بثلاثة أقفال في منزلهما الذي كان مليئاً بالأشياء الثمينة. وعندما نجح الغوغاء في كسر الباب والدخول إلى البيت، فر إدوارد وجدته الى القبو العلوي الصغير في سطح المنزل. وفي الوقت الذي كان يقوم فيه الغوغاء بتطهير المنزل من جميع أغراضه الثمينة، اختبأ إدوارد ومسعودة منكمشين تحت ظل النيران القادمة من برج الشرطة القريب. وقد أخافت طلقات الرصاص العشوائية أولئك الدخلاء العنيفين وأبعدتهم عن السطح.
بعد أن ترك الغوغاء بيتهما، نزل إدوارد ومسعودة إلى منزل فارغ. وساروا في الشارع حيث رأى إدوارد الدماء والأشلاء. ثم بدأ الإثنان يركضان باتجاه منزل والد إدوارد حيث كانت تقف مجموعة من المواطنين الشيعة لحراسة الباب. لقد كان أعضاؤها مخلصون لأن إبراهيم، والد إدوارد، كان يعمل مع الحكومة الانكليزية وكان قد تفاوض على بيع النفط بالجنيه الإسترليني بدلاً من الدينار العراقي، مما جعل العديد من الشيعة أغنياء جداً.
لكن بغداد التي يتذكرها إدوارد ليست سوى تلك المفعمة بالإرهاب. وبينما يقول إنه لن يعود إليها بسبب جميع الأعمال السيئة التي واجهتها وأسرته، إلا أنه كانت هناك أيام عندما كانت بغداد “رائعة”.
“قضيت إحدى أجمل أيام الطفولة”، يقول إدوارد الذي هو الآن في الخامسة والسبعين من عمره. “في كل صيف كنت اصطحب مجموعة من الأصدقاء وكنا نذهب للتجذيف في طريقنا إلى جزيرة [على نهر دجلة]، ونصطاد الأسماك ونسبح ونلعب خلال جميع ساعات اليوم”.
لقد كان هناك منحنى في النهر، تراكمت فيه الرمال حتى تكونت فيه جزيرة. “كانت المياه صافية ونظيفة جداً وكان هناك العديد من الأسماك”.
وفي حين كانت بغداد في أوقات ما فردوساً لأولئك اليهود مثل إدوارد، كانت هناك أيضاً لحظات من العنف. ففي إحدى المرات، عندما تعرض وشقيقه الأكبر شالوم لهجوم من قبل مجموعة من المسلمين، أخذ إدوارد حزامه وبدأ يضربهم، ولكن عنفهم الذي كان مركزاً على شقيقه، لم يهدأ حتى تعرض شالوم نفسه للضرب السيئ للغاية. ويعتقد إدوارد أن ذلك الضرب هو الذي أدى إلى حدوث عدم توازن في عقل شالوم. ويحصل الآن على الرعاية في مؤسسة صحية في إسرائيل.
وفي الأشهر الأخيرة من عام 1949 اضطر إدوارد إلى ترك منزله. فقد كان عضواً في منظمة “الهاغانا”، وهي جماعة سرية مستوحاة من فيالق اليهود من فلسطين الذين شاركوا في الغزو البريطاني لبغداد. وكانت “الهاغانا” هي التي أخذت إدوارد وشالوم إلى الموصل في شمال العراق. وفي الموصل مكثوا مع رجل تكلم اللغة الكردية وهو الذي اقتادهم إلى الحدود الإيرانية.
وعلى الحدود أُطلقت النار عليهم وأُجبروا على الاختباء في الكهوف. وعندما حاولوا العبور مرة أخرى تم إلقاء القبض عليهم، وأُرسلوا ثانية إلى الموصل حيث تم إبقاؤهم في الكنيس الذي تحوّل إلى سجن كبير.
ويقول إدوارد، ” كل شيء يمكن حله بواسطة المال”. وهكذا، فمع بعض الرشاوى المناسبة، تم نقلهم عبر الحدود ومن هناك إلى طهران.
وهناك، بقي إدوارد وشالوم مع ابن عمهما الذي كان يرسل معلومات لإسرائيل باستخدام شفرة المورس. وعاشوا جميعاً في معسكر مخيمات ضخم تم إعداده ليهود أوروبا الذين كانوا قد فروا من المحرقة.
ويقول، “كان هناك أطفال في كل مكان، آلاف الأطفال بين سن الثامنة والحادية عشرة”.
من هناك، سافر هو وشالوم إلى إسرائيل حيث بقوا في “كيبوتز” [مزرعة عمومية] بالقرب من حدود طول كرم في الشمال. ويتذكر إدوارد علاقاته الجيدة مع جيرانه العرب. ففي إحدى ساعات صباح باكر، جاء رجل عربي — في عربة يجرها حمار — وهو يصرخ طالباً المساعدة لابنه المريض.
وأرسل إدوارد ممرضة للإعتناء بالطفل، وبذلك أقام علاقة قريبة مع جيرانه العرب. وفي أوقات الحصاد ساعدوا بعضهم البعض.
وبسبب تجربة إدوارد مع “الهاغانا”، اختاره الجيش للتجسس على الحدود. وفي الجنوب تعرض للدغ إحدى الحشرات وأُصيب بالملاريا. ولمكافحة المرض، اقترح طبيبه أن ينتقل للعيش في مناخ أفضل في اليونان أو إيطاليا أو قبرص.
ويقول بضحكة خافتة، “قررت دراسة هذا الموضوع بصورة أفضل بكثير، فقمت بزيارة تسعة بلدان”. وأنهى جولته في مونتيري بولاية كاليفورنيا، بعد قضائه عشرة أيام في مدينة نيويورك. “لم أتمكن من التعامل مع الحياة الصاخبة والمزدحمة للناس هناك.”
وفي مونتيري، سرعان ما تعرف على المجتمع اليهودي، وبدأ يلقي محاضرات كل يوم جمعة. وكان الموضوع هو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وشمل جمهوره العديد من الفلسطينيين الذين أصبحوا معجبين به واحترموه كثيراً.