التاريخ اليهودي في مصر
يمتد الوجود اليهودي في مصر إلى تاريخ مبكر للغاية وأزمنة قديمة. فقد كانت مصر وجهة للجوء اليهودي في أعقاب تدمير مملكة يهوذا في عام 597 قبل الميلاد، وملاذا آمنا من الاضطهاد الذي عانى منه الشعب اليهودي. وخلال تلك الفترة، أقامت الجاليات اليهودية فى مصر المدارس التلمودية والدينية وازدهرت فكرياً.
في العصر الحديث فى كلا القرنين التاسع عشر والعشرين، لعب اليهود دوراً حيوياً في المجتمع المصري، فقد ساهموا بشكل كبير فى التنمية الإقتصادية والصناعة وتنمية المناطق الحضرية والثقافة. وأما البريطانيون، الذين استعمروا مصر في الفترة بين عام 1882 و 1956، فقد عاملوا اليهود بصورة جيدة، ونتيجة لذلك هاجر إلى مصر العديد من اليهود الأوروبيين الذين كانوا يعانون من الاضطهاد في بلدانهم، ليصل عدد اليهود في مصر من 25000 في عام 1900 إلى أكثر من 80000 بحلول عام 1948. وعلى الرغم من مساهماتهم، حُرم جزء كبير من اليهود في مصر، تحت الحكم البريطاني، من حقوق المواطنة.
ومع صعود النازيين في ألمانيا إلى الحكم وظهور القومية العربية في الثلاثينات من القرن العشرين، بدأت تتغير المواقف الشعبية والسياسية تجاه اليهود فى مصر. ففي عام 1938 بدأت مظاهرات ضخمة معادية لليهود، مما أدى في نهاية المطاف إلى نهاية عهد الطائفة اليهودية في مصر. ومع تأسيس دولة إسرائيل عام 1948، بدأت الحكومة المصرية باتخاذ تدابير عدوانية وقمعية ضد اليهود بما في ذلك: مصادرة الممتلكات والسجن والتعذيب والتمييز المؤسسي. وكانت أعمال الشغب ضد اليهود شائعة وتركت العديد من الجرحى والقتلى. وفى يوم 26 يناير 1952، وهو ما يعرف بإسم السبت الأسود، بدأت العديد من التجمعات والتجمهرات المصرية فى مظاهرات حاشدة ضد الوجود البريطاني فى مصر، وتطور إلى قيام أعمال شغب ضد اليهود أدت إلى تدمير 500 من أعمالهم التجارية وقتل أو جرح العديد منهم.
وفي عام 1956 عُين جمال عبد الناصر الرئيس الثاني لمصر، وبقي في منصبه حتى وفاته في عام 1970، وتصاعد التطرف القومى فى عهده بشكل سافر متمثلاً فى ما يعرف بالقومية العربية، مما أدى إلى هجرة العديد من الأقليات، كما سائت وتدهورت احوال اليهود. أما أزمة السويس في عام 1956 فقد حدثت بقيام البريطانيين والفرنسيين والإسرائيليين بالهجوم على مصر. ونتيجة لذلك، أعلن ناصر أن اليهود هم أعداء الدولة واستمر الطرد الجماعي لليهود بفرار 25000 يهودي. وقد مُنح اليهود يومان لإخلاء ملكياتهم العقارية — التي صودرت في وقت لاحق من قبل الحكومة، وأُجبروا على مغادرة مصر مع حقيبة واحدة ومبلغ من النقود لا يزيد عن عشرين دولاراً. وقد سُجن أو عُذب ما يقرب من 1000 من اليهود الذين بقوا في البلاد.
اندلعت حرب الأيام الستة بين العرب وإسرائيل في عام 1967. ومرة أخرى، ازدادت حدة أعمال العنف تجاه اليهود في مصر والتي كانت تهدف إلى إقصاء اليهود من الرواية القومية المصرية وإخلاء مصر من اى وجود يهودي. فخلال الحرب، تم سجن جميع اليهود الذكور الذين زادت أعمارهم عن 16 عام في معسكرات الاعتقال أو تم تعذيبهم، وكان قد بقي آنذاك 2500 يهودي فقط في مصر. وفي السبعينيات، ونتيجة لقيام ضغوط دولية، سُمح لليهود بمغادرة البلاد. لقد كان يهود مصر من بين أغنى الجاليات اليهودية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ففي عام 1971 قُدرت الخسارة التي تحملها اليهود في الممتلكات الشخصية بحوالي 500 مليون دولار، و 300 مليون دولار في الممتلكات العامة للطائفة، و 200 مليون دولار في التحف الدينية. وكلما أجبر المزيد من اليهود وبأعداد أكبر وأكبر على الخروج من مصر، كلما زادت هذه الأرقام في الإرتفاع.
وفي عام 2005، لم يكن هناك سوى 100 يهودي في مصر. واليوم توجد تقديرات بأنه لم يبقى سوى 5 يهود في البلاد. وهكذا لم يتبقى هناك أي شيء تقريباً من حياة اليهود الذين كانوا مزدهرين ذات مرة في مصر.
________________________________________
نشكر منظمة “العدالة لليهود من الدول العربية” لتقديمها هذا الملخص إلى موقع “جيمينا” عن التجربة اليهودية المصرية:
نماذج للتمييز الطائفى ضد اليهود ابان وجودهم فى مصر فى القرن العشرين
صدر قانون “الجنسية الأول” في مصر في 26 أيار/مايو 1926. واعطى حق التجنس بالجنسية المصرية فقط لأولئك الذين “ينتمون عرقياً إلى غالبية السكان في بلد لغته هي اللغة العربية أو دينه الإسلام”. وهذا الحكم عمل بمثابة ذريعة رسمية لطرد العديد من اليهود من مصر.
في 29 تموز/يوليو 1947، أُدخل تعديل على “قانون الشركات المصرية” الذي ألزم أن يكون هناك على الأقل 75 ٪ من الموظفين الإداريين في شركة ما من المواطنين المصريين و 90 ٪ من الموظفين بشكل عام. وأدى ذلك إلى إقالة الكثير من اليهود الذي فقدوا مصدر رزقهم حيث تم منح الجنسية المصرية إلى 15 ٪ فقط من أبناء الجالية اليهودية.
وقد تمت إثارة موضوع الرحيل الجماعي لليهود عندما أقرت مصر في عام 1956 تعديلاً لقانون “الجنسية الأصلي” في مصر من عام 1926. ونصت المادة 1 من “القانون” من 22 تشرين الثاني/نوفمبر 1956، بأنه يمنع على “الصهاينة” من أن يصبحوا مواطنين مصريين. وأكدت المادة 18 من القانون من عام 1956 بأنه “بإمكان أن يُعلن عن إسقاط الجنسية المصرية بأمر من وزارة الداخلية في حالة تصنيف أشخاص بأنهم صهاينة.” وعلاوة على ذلك، إن مصطلح “صهيوني” لم يعرّف أبداً من قبل، مما ترك الحرية للسلطات المصرية لتعريف المصطلح كما ترى دون اى قيود او قواعد.
وتسمح نصوص قوانين عام 1956 وعام 1958 على حد سواء بقيام الحكومة بإسقاط الجنسية عن أي يهودي يكون غائباً من أراضي “الجمهورية العربية المصرية” لأكثر من ستة أشهر متتالية. وقد تبين بأن الهدف من ذلك النص هو تنفيذه ضد اليهود حصراً من حقيقة أن قوائم الأشخاص الذين أُسقطت عنهم الجنسية والتي نُشرت مراراً وتكراراً من قبل “الصحيفة الرسمية” كانت تحتوي على أسماء يهودية فقط، على الرغم من الحقيقة بأن هناك الكثير من المصريين غير اليهود الذين بقوا أكثر من ستة أشهر في الخارج.
.
نماذج للتمييز والإقصاء الاقتصادي
*يقصد به أن يكون بمثابة عينات وليس تجميعاً شاملاً
إن القانون رقم 26 من عام 1952 يلزم جميع الشركات بتوظيف نسب مئوية مقررة معينة من “المصريين.” وهكذا فإن عدداً كبيراً من اليهود العاملين بأجر فقدوا وظائفهم، ولم يتمكنوا من الحصول على وظائف مماثلة، لأنهم لم يكون منتمين إلى فئة اليهود ذوي الجنسية المصرية.
وتكشف السجلات الرسمية أنه في الفترة بين 01-20 تشرين الثاني/نوفمبر 1956، ومن خلال قيام سلسلة من أوامر حجز على الممتلكات صدرت في نطاق “الإعلان العسكري” رقم 4، فإن ممتلكات عدة مئات من اليهود في مصر كانت قد صودرت من أصحابها وتم تسليمها إلى المسؤولين المصريين. وتم تنفيذ الإعلان رقم 4 بشكل حصري تقريبا ضد اليهود ؛ وعلى الرغم من الحجز على عدد من الأقباط والمسلمين أيضاً، إلا أنه لم يتم حجز أصولهم قط.
ومن بين الشركات التي تم الاستيلاء على إصولها والأشخاص الذين تم الاستيلاء على ممتلكاتهم والبالغ عددهم 486 شخصاً والمذكورين في القوائم المنشورة في إطار “الإعلان العسكري رقم 4″، هناك ما لا يقل عن 95 في المائة منهم من اليهود. وتمثل أسماء الأشخاص والشركات المتضررة من ذلك الإجراء الجزء الأكبر من الجوهر الاقتصادي لليهود المصريين، والمؤسسات الأكبر والأهم ومصدر الدخل الرئيسي، وذلك من خلال تبرعاتهم الطوعية للمؤسسات الدينية والتعليمية والاجتماعية والرعاية الاجتماعية اليهودية في مصر.
وبالإضافة إلى الحجز الواسع على العقارات وغيرها من المعاملات التمييزية، فإن “تعليمات” رقم 189 الصادرة تحت سلطة “الإعلان العسكري” رقم 4، منحت الأذن لـ “المدير العام” لـ “وكالة المصادرة” بأن يقتطع 10 ٪ من قيمة الممتلكات المحجوزة من الأصول العائدة إلى المعتقلين، والتي يفترض أن هدفها كان تغطية تكاليف الإدارة. ومن ثم، ومن دون النظر في الموضوع المتعلق فيما إذا كان قد تم الحجز على ملكية معينة وفقاً للقانون، فقد جرى فرض الضريبة على يهود مصر من أجل دفع ثمن الآلات أو الحجز والاقتطاع الذي تم بشكل غير قانوني وصحيح.
وتعرض اليهود الذين غادروا مصر إلى الحرمان التام والمضايقات الإضافية. وتم وضع نُظم خوّلت فقط اليهود الذين غادروا مصر بأن يأخذوا معهم الشيكات السياحية أو غيرها من وثائق التبادل الدولي تصل قيمتها إلى 100 جنيه استرليني للفرد الواحد. وزود “بنك مصر” صكوك لليهود الذين غادروا البلاد بحيث يمكنهم تصريفها بصورة خاصة في الحسابات المصرية في بريطانيا وفرنسا، عندما كانت السلطات المصرية تعلم جيداً بأنه قد وُضع حظر على تلك الحسابات — رداً على الحظر الذي فرضته مصر على الأصول والبريطانية والفرنسية في مصر — وكانت غير صالحة للتحويل والتعامل حولها بحرية في الخارج.