يهود العراق الذين تبخروا

ولدت في طاهة التقية في المربع اليهودي في المدينة القديمة في بغداد عام 1930 . دراستي و تعليمي تضمن دراسات ثقافية و تاريخية اسلامية . عمري 84 عام اليوم و بغداد هي وطني الوحيد و العراق هو بلدي . في مايوم 6 2013 ، كانت مجموعة من الجنود الأمريكيين يبحثون عن أسلحة دمار شامل في مبنى المخابرات العامة في بغداد ، و لكن بدلاً من أن يجدوا هذا وجدوا أرشيف يهودي أثري يعود ليهود العراق . كان الأرشيف غاررق في القبو الغارق في المياه و في حالة يرثى لها . تضمن الأرشيف حوالي 2700 كتاب عمر بعضها أكثر من 1500 عام . وجدوا مخطوتات توراتية كتب صلوات و عشرات الألاف من الوثائق. حزب البعث و بقيادة صدام حسين استولى على الاف الوثائق و المخطوطات و المتعلقات الشخصية لمواطنين يهود من المدارس و الكنس و المنازل اليهودية . نقل هذا الأرشيف لاحقاً في حاويات مجمدة الى الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن وافقت على هذا الحكومة العراقية . بعد صرف ما يقارب الثلاث مليون دولار على الأرشيف تم اصلاحه و اعادة تجديده في الولايات المتحدة .عرض الأرشيف في كل من واشنطن دي سي و نيويورك و كانساس و الان يعرض في لوس انجلس في مكتبة نيكسون حتى أنه تم تصوير الأرشيف حتى يعرض على الانترنت. في اللحظة الاتي خطوت فيها الى المعرض الذي يعرض فيه الأرشيف ، عاد شريط حياتي الى أمامي ، كان هناك وثيقة تخرج مدرسي من الثانوية معروضة ذكرتني كثيراً بيوم تخرجي من الثانوية في عام 1984 . كان حلمي أن أغادر الى أمريكا لاتمام تعليمي لكن الحلم تبخر حين رفضوا منحي تأشيرة خروج . هاجادة ، أو مخطوطة عيد العبور من العام 1902، ذكرتني بطقوسنا العائلية حين كنا نجلس أنا و أمي و أبي و اخوتي على مائدة العشاء حيث طبق الدجاج مع اللوز و الزبيب و طعم الخروف الحلو و الحامض المنقوع بالمشمش ، أشياء لا تغادر ذاكرتي . مخطوطة التورات المرصعة بالذهب و الفضة و التي سرق ذهبها و فضتها و بقي منها الاطار الخشبي ، ذكرتني باحتفال البار ميتسفاه حيث حملت مخطوطة التواراة وكانت ثقيلة جداً . وثائق أخرى بالعربية تضمنت رسالة من الراباي ساسون خضري ، الى أعضاء من المجتمع اليهودي العراقي ، ذكرتني هذه الرسالة بمدى التقارب و التضامن الذي كان بيننا و كم كنا نساعد بعضنا البعض. كانت مواجهة حلوة و مرة في ان ، رؤية الأرشيف جعلني أتأثر كثيراً و أدمع عيوني و شعرت بالامتنان للحكومة الأمريكية التي أجلبت أرشيف ثقافتي سالماً من العراق الى هنا. أعداد كبرى من العرائض رفعت الى الحكومة الأمريكية لكي لا تعيد الأرشيف الى العراق . في الكونغرس الأمريكي ، القرار رقم 113 أصدر على أن يتم اعادة المشاورات مع الجكومة العراقية ليبقى الأرشيف في العراق. رؤية هذا الأرشيف ذكرتني بكل لحظة من سنين حياتي ال19 في العراق . حتى العام 1940 كان تعداد اليهود في العراق يتجاوز ال150000 و كانت نسبتهم 15% من اجمالي سكان العراق . و كان اليهود يشكلون قوة اقتصادية كبرى في العراق و كانت العلاقات بين اليهود و العرب متداخلة و جيدة في العراق. كان كل شئ بخير حتى انتشرت معاداة السامية في العالم العربي و حصلت حادثة الفرهود عام 1941 حيث هاجم مدنيين عراقيين العائلات اليهودية مدججين بأسلحة بدائية مدعومين من قوات الشرطة و الأمن . سرقوا و حرقوا البيوت و الممتلكات اليهودية و قتلوا حوالي ال180 يهودي و جرحوا اخرين ، بعض النساء تم اغتصابهن كنت حينها في الحادية عشر من عمري و الصدمة لم تفارقني بعد ذلك أبداً . في العام 1947 ازدادت معاداى السامية و بدأت التفرقة و الاضطهاد يحصل حتى من الدولة و المؤسسات الحكومية ، و حين أقرت الأمم المتحدة برعاية بريطانيا انشاء دولتين فلسطينية و اسرائيلية ازداد القمع و الاضطهاد ضد اليهود و كان العراق الى جانب 5 دول عربية تضطهد اليهود و تعاديهم و تقتل العديد منهم باسم تهمة الصهيونية. كل يهودي كان متهم . بعد تخرجي من المدرسة الاعدادية قبلت لثلاث منح للدراسة في الولايات المتحدة لكن تأشيرة خروجي من العراق رفضت لأنني يهودي . كنت مطالب بدفه 3000 دينار عراقي كرشوة لاعطائي تأشيرة الخروج في وقت كان فيه متوسط دخل العائلة العراقية 3 الى 4 دنانير في الشهر . خوفي على حياتي بسبب ما تعرض له عدد من اصقائي من اعتقال و تعذيب دفعني للهروب خارج العراق في ديسمبر 1949 . هربت و عائلتي بمن فيهم والدي الذي كان تاجر ألبسة تاركين ورائنا بيت كبير و تجارة و محل ألبسة ملئ بالبضائع . معظم اليهود من العراق، سوريا ، تونس ، الجزائر ، لاقوا المصير ذاته الى أن اختفى يهود العالم العربي بشكل شبه نهائي في القرن العشرين . من حوالي المليون يهودي في العالم العربي تناقص العدد الى ا يقارب ال5000 معظمهم في المغرب و عدد أقل في تونس . معظمهم تمت مصادرة أملاكهم و جردوا من هوياتهم و جنسياتهم . انتهى الأمر بحوال 600 ألف منهم في اسرائيل أما الباقي فتوزعوا حول العالم رغم ذلك لم يقطن أحد من هؤلاء اليهود اللاجئين في مخيمات اللجوء . باستثناء يهود العراق ، معظم ثقافات يهود العالم العربي اختفت . وثائقهم سرقت أو صودرت أو تم تدميرها . لم يبقى منهم شئ ليخبر العالم كيف عاشوا و تعايشوا مع الثقافة و الحضارة العربية و كيف أثروا بها . الطريقة الوحيدة التي عرفت بها قصص يهود العالم العربي هي السير الذاتية أو القصص المحكية شفهياً من قبل هؤلاء الذين عايشوا هذه الحقبة من الزمن . لقد كنا نحن يهود العراق محظوظين ، رغم أننا تبخرنا و لم يبقى منا أحد في العراق الا أن احتفاظ صدام حسين بوثائقنا و مخطوطاتنا الثمينة فادنا و مكننا من الاحتفاظ بها و الاطلاع عليها و نشرها ليراها الجميعNovember 4, 2016Posted on No Comments

ولدت في طاهة التقية في المربع اليهودي في المدينة القديمة في بغداد عام 1930 . دراستي و تعليمي تضمن دراسات ثقافية و تاريخية اسلامية . عمري 84 عام اليوم و بغداد هي وطني الوحيد و العراق هو بلدي . في مايوم 6 2013 ، كانت مجموعة من الجنود الأمريكيين يبحثون عن أسلحة دمار شامل في مبنى المخابرات العامة في بغداد ، و لكن بدلاً من أن يجدوا هذا وجدوا أرشيف يهودي أثري يعود ليهود العراق . كان الأرشيف غاررق في القبو الغارق في المياه و في حالة يرثى لها .

تضمن الأرشيف حوالي 2700 كتاب عمر بعضها أكثر من 1500 عام . وجدوا مخطوتات توراتية كتب صلوات و عشرات الألاف من الوثائق. حزب البعث و بقيادة صدام حسين استولى على الاف الوثائق و المخطوطات و المتعلقات الشخصية لمواطنين يهود من المدارس و الكنس و المنازل اليهودية . نقل هذا الأرشيف لاحقاً في حاويات مجمدة الى الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن وافقت على هذا الحكومة العراقية .

بعد صرف ما يقارب الثلاث مليون دولار على الأرشيف تم اصلاحه و اعادة تجديده في الولايات المتحدة .عرض الأرشيف في كل من واشنطن دي سي و نيويورك و كانساس و الان يعرض في لوس انجلس في مكتبة نيكسون حتى أنه تم تصوير الأرشيف حتى يعرض على الانترنت.

في اللحظة الاتي خطوت فيها الى المعرض الذي يعرض فيه الأرشيف ، عاد شريط حياتي الى أمامي ، كان هناك وثيقة تخرج مدرسي من الثانوية معروضة ذكرتني كثيراً بيوم تخرجي من الثانوية في عام 1984 . كان حلمي أن أغادر الى أمريكا لاتمام تعليمي لكن الحلم تبخر حين رفضوا منحي تأشيرة خروج .

هاجادة ، أو مخطوطة عيد العبور من العام 1902، ذكرتني بطقوسنا العائلية حين كنا نجلس أنا و أمي و أبي و اخوتي على مائدة العشاء حيث طبق الدجاج مع اللوز و الزبيب و طعم الخروف الحلو و الحامض المنقوع بالمشمش ، أشياء لا تغادر ذاكرتي . مخطوطة التورات المرصعة بالذهب و الفضة و التي سرق ذهبها و فضتها و بقي منها الاطار الخشبي ، ذكرتني باحتفال البار ميتسفاه حيث حملت مخطوطة التواراة وكانت ثقيلة جداً . وثائق أخرى بالعربية تضمنت رسالة من الراباي ساسون خضري ، الى أعضاء من المجتمع اليهودي العراقي ، ذكرتني هذه الرسالة بمدى التقارب و التضامن الذي كان بيننا و كم كنا نساعد بعضنا البعض.

كانت مواجهة حلوة و مرة في ان ، رؤية الأرشيف جعلني أتأثر كثيراً و أدمع عيوني و شعرت بالامتنان للحكومة الأمريكية التي أجلبت أرشيف ثقافتي سالماً من العراق الى هنا. أعداد كبرى من العرائض رفعت الى الحكومة الأمريكية لكي لا تعيد الأرشيف الى العراق . في الكونغرس الأمريكي ، القرار رقم 113 أصدر على أن يتم اعادة المشاورات مع الجكومة العراقية ليبقى الأرشيف في العراق. رؤية هذا الأرشيف ذكرتني بكل لحظة من سنين حياتي ال19 في العراق .

حتى العام 1940 كان تعداد اليهود في العراق يتجاوز ال150000 و كانت نسبتهم 15% من اجمالي سكان العراق . و كان اليهود يشكلون قوة اقتصادية كبرى في العراق و كانت العلاقات بين اليهود و العرب متداخلة و جيدة في العراق. كان كل شئ بخير حتى انتشرت معاداة السامية في العالم العربي و حصلت حادثة الفرهود عام 1941 حيث هاجم مدنيين عراقيين العائلات اليهودية مدججين بأسلحة بدائية مدعومين من قوات الشرطة و الأمن . سرقوا و حرقوا البيوت و الممتلكات اليهودية و قتلوا حوالي ال180 يهودي و جرحوا اخرين ، بعض النساء تم اغتصابهن كنت حينها في الحادية عشر من عمري و الصدمة لم تفارقني بعد ذلك أبداً .

في العام 1947 ازدادت معاداى السامية و بدأت التفرقة و الاضطهاد يحصل حتى من الدولة و المؤسسات الحكومية ، و حين أقرت الأمم المتحدة برعاية بريطانيا انشاء دولتين فلسطينية و اسرائيلية ازداد القمع و الاضطهاد ضد اليهود و كان العراق الى جانب 5 دول عربية تضطهد اليهود و تعاديهم و تقتل العديد منهم باسم تهمة الصهيونية. كل يهودي كان متهم .

بعد تخرجي من المدرسة الاعدادية قبلت لثلاث منح للدراسة في الولايات المتحدة لكن تأشيرة خروجي من العراق رفضت لأنني يهودي . كنت مطالب بدفه 3000 دينار عراقي كرشوة لاعطائي تأشيرة الخروج في وقت كان فيه متوسط دخل العائلة العراقية 3 الى 4 دنانير في الشهر . خوفي على حياتي بسبب ما تعرض له عدد من اصقائي من اعتقال و تعذيب دفعني للهروب خارج العراق في ديسمبر 1949 . هربت و عائلتي بمن فيهم والدي الذي كان تاجر ألبسة تاركين ورائنا بيت كبير و تجارة و محل ألبسة ملئ بالبضائع . معظم اليهود من العراق، سوريا ، تونس ، الجزائر ، لاقوا المصير ذاته الى أن اختفى يهود العالم العربي بشكل شبه نهائي في القرن العشرين . من حوالي المليون يهودي في العالم العربي تناقص العدد الى ا يقارب ال5000 معظمهم في المغرب و عدد أقل في تونس . معظمهم تمت مصادرة أملاكهم و جردوا من هوياتهم و جنسياتهم . انتهى الأمر بحوال 600 ألف منهم في اسرائيل أما الباقي فتوزعوا حول العالم رغم ذلك لم يقطن أحد من هؤلاء اليهود اللاجئين في مخيمات اللجوء .

باستثناء يهود العراق ، معظم ثقافات يهود العالم العربي اختفت . وثائقهم سرقت أو صودرت أو تم تدميرها . لم يبقى منهم شئ ليخبر العالم كيف عاشوا و تعايشوا مع الثقافة و الحضارة العربية و كيف أثروا بها . الطريقة الوحيدة التي عرفت بها قصص يهود العالم العربي هي السير الذاتية أو القصص المحكية شفهياً من قبل هؤلاء الذين عايشوا هذه الحقبة من الزمن . لقد كنا نحن يهود العراق محظوظين ، رغم أننا تبخرنا و لم يبقى منا أحد في العراق الا أن احتفاظ صدام حسين بوثائقنا و مخطوطاتنا الثمينة فادنا و مكننا من الاحتفاظ بها و الاطلاع عليها و نشرها ليراها الجميع