لوسي كوهين – زيمرينغ

Luci Cohen-Zimering

ذكرياتي من تونس حلوة ومرة. هناك الكثير من السنين السعيدة، ثم الحرب، والغزو الألماني، والتحرير — والمنفى. ولِدتُ في تونس، لعائلة عاشت هناك أجيال عديدة. جاء أباؤها من اسبانيا عبر الجزائر. ولم نتكلم اللغة الاسبانية ولكن جدي وجدتي من كلا والديّ تكلموا العربية والأطفال تعلموا الفرنسية. دارت حياتنا حول عائلتنا ووالديّ، وشقيقاي، وسكنت مع جدي وجدتي من والدي في العاصمة تونس. كنا نعيش في حي كان معظمه من اليهود، وفيه العديد من الإيطاليين، والقليل من الفرنسيين. وكان جميع الأعمام والعمات والخوال والخالات وأبنائهم دائماً معنا. إنه لشعور عظيم أن يكون الجميع سوية في معظم الوقت، وكل فرد من أبناء العائلة الواسعة اعتبرني “الجليسة الرسمية” لجميع لأطفال وشغفتُ بذلك.
ثم كانت فصول الصيف. فبعد انتهاء السنة الدراسية في كل عام كان جدي يستأجر منزلاً كبيراً قرب البحر (المرسى). تخيّلْ كل أبناء العمومة يتمتعون بالعطلة الصيفية، والشاطئ، والطعام، والصداقة. عندما كنت في سن المراهقة، قضينا أيامنا – أنا وأبناء عمومتي – على شاطئ البحر، نسير ذهاباً وإياباً على حافة الماء، وننضم بعد ذلك إلى الحشد الذي كان يتجمع أثناء الصيف وكان أغلبه من الشباب اليهودي والإيطالي والفرنسي. وبدا أن السكان المسلمين كانوا يلتقون فيما بينهم في “المدينة”، وهو حي لم نزوره. كنا نشتري احتياجاتنا في الأسواق التجارية، في تلك الشوارع الضيقة المليئة بالبضائع ذات الألوان الجميلة، وروائح الطعام اللذيذ والحيوانات والناس. وبالطبع لم يقم أحد بشراء سجاد مصنوع يدوياً أو مواد من النحاس أو الفضة، دون المساومة إلى أجل غير مسمى – حيث كان الشخص يتظاهر بأنه يغادر المتجر ثم يُستدعى ليحصل أخيراً على السلعة المعني بها. لديّ قلائد وأقراط جميلة تبدو وكأنها شرائط مصنوعة من قطع صغيرة. و “يد فاطمة” جعلتنا في مأمن من العين الحسودة وهو الأمر بالنسبة للسمك.
في إحدى الليالي كان يبدو بأن جميع الجيران متخوفين بعد أن قام الألمان بغزو تونس وكان علينا الاختباء في الطابق السفلي من مبنى سكننا. تم إرسال أعمامي وخوالي إلى معسكرات للأشغال الشاقة في حين فضل عدد قليل من الشباب الاختباء في الريف. ونتيجة لنقص الغذاء في ذلك الحين، كنا نذهب إلى النوم بعد تناولنا فقط القليل من الطعام. كان والدي مع عدد قليل من أصدقائه يستأجرون شاحنة، ويسوقونها إلى الجزائر ويعودون في اليوم نفسه بعد تحميلها بالكثير من أكياس البطاطا.
والآن أعرف بأن الجيش الألماني كان يخطط لبناء معسكرات اعتقال، والشيء الوحيد الذي انقذنا هو الافتقار للسكك الحديدية لنقل أعداد كبيرة من الناس إلى تلك المعسكرات. أتذكر القنابل التي كانت تتساقط قريبة جداً من منزلنا، ولحسن الحظ لم يصاب أحد أو أي شئ نملكه بعطب. لقد طُلب منا إعطاء أجهزة الراديو التي كنا نملكها وغيرها من المعدات إلى الألمان. وقام الإنجليز، وبعدهم الأميركيين بتحرير تونس وبقية شمال أفريقيا. وعندما عاد الرئيس الحبيب بورقيبة من المنفى في فرنسا، كان ذلك يوم احتفال. وانضممت مع عدد قليل من أصدقائي المقربين إلى الحشد الذي خرج للترحيب به. ونتيجة لذلك، فصلنا رئيسنا الفرنسي من وظائفنا. وبعد أن اضطررت إلى العثور على وظيفة جديدة، عُرض علي منصب سكرتير من قبل وزير الاتصالات في حكومة الحبيب بورقيبة، السيد بشير بن يحمد. وبعد التحاقي بالوظيفة أصر الوزير على تعليمي استخدام جميع الآلات حيث كنت مسؤولاً على الحفاظ على الاتصالات مع صاحب العمل [المسؤول] – عبر التلكس – عندما كان خارج البلاد.
أسفر الحديث عن إنهاء الحماية الفرنسية وقوع توتر ومواجهة كبيرين جداً. وأدى ذلك الكلام إلى قيام عدد قليل من أفراد عائلتي بالهجرة إلى فرنسا وإسرائيل. وعندما غادروا، كان بإمكانهم أن يأخذوا معهم ما يعادل ۲۰ دولاراً وحقيبة واحدة فقط. وفي عام ۱۹۶۲، قررتُ الانضمام إلى إخوتي الذين كانوا طلاباً في جنيف، سويسرا. وعند صولي إلى هناك دون مال كان وضعي الاقتصادي صعب جداً، إلا أن أصدقاء أخي قاموا بمساعدتي حتى حصلت على وظيفة. واجهت قدراً كبيراً من الصدمة الثقافية! وفي جنيف، التقيت بزوجي المستقبلي الذي كان في ذلك الحين طالب مرشح لنيل شهادة الدكتوراه.

عام ۱۹۶۷ كان عاماً صعباً للغاية. فقدهوجم اليهود في الشوارع، وتم حرق المعبد اليهودي. وأضرم النيران في البناية التي كانت تسكنها والدتي إلا أن “الحج” (البواب) أنقذ حياتها. ثم قررتْ الفرار إلى فرنسا، بتركها المبنى الذي تملكه وجميع أمتعتها وراءها.