آني ليبرمان

Annie Liberman

كانت هناك اختلافات كبيرة في شدة المعاملة التي عانى منها اليهود خلال اقتلاعهم من جذورهم في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. ففي العراق أدت أحداث “الفرهود” المشهورة إلى جلب الإرهاب إلى الطائفة اليهودية الكبيرة، وفي مصر تم حبس العديد من أبناء الجالية اليهودية لسنوات عديدة دون معرفة متى سيتم الافراج عنهم وإذا كان سيحدث ذلك. ومع هذا، ففي تونس، حافظ اليهود والعرب المسلمين على علاقات ودية، إلى حد كبير، لعدد من السنوات في أعقاب حصول تونس على استقلالها عام ۱۹۵۶.
وتقول آني ليبرمان، “رأى والدي أن البلاد بدأت تصبح عربية والنفوذ الفرنسي شيئاً من الماضي. كان له إحساس بحدوث انقسام وشعر بأنه لن يتم إعتبارنا مواطنين بعد الآن، وعندما فكر في المستقبل رأى أن الحياة ستكون أكثر صعوبة بالنسبة لنا. لم نكن غاضبين، بل مجرد فكرنا بأنها بلدهم ومن المستحسن أن نغادر تونس”. وكان والد آني قد حصل على الجنسية الفرنسية عندما عُرضت عليه في عام ۱۹۲۳ حيث كان يعمل آنذاك [موظفاً] في الحكومة الفرنسية. واستطاع أن يؤمن له وظيفة في باريس، وهكذا حزمت الأسرة أمتعتها وغادرت في عام ۱۹۵۸.
بقي العديد من اليهود في تونس، بمن فيهم عدد من العمات والأعمام، والخالات والخوال وأبنائهم الذين لم يصبحوا مواطنين فرنسيين. وعلى الرغم من وعود الحكومة، إلا أن حياتهم كتونسيين أصبحت بصورة تدريجية أكثر صعوبة مع مر السنين. فقد عانوا من آثار الانتفاضات الدورية المعادية لليهود. وقد هاجر معظمهم في النهاية إلى إسرائيل وفرنسا. “كان الوضع صعب جداً بالنسبة لليهود الذين غادروا في عام ۱۹۶۷. فقد تعرضوا للهجوم في الشوارع، وحرق المعبد اليهودي. وقد أُجبر أبناء أقربائي على الفرار، بتركهم بيوتهم وأعمالهم من ورائهم”.
ولدت آني ليبرمان كـ آني استير فلّوس في تونس في أوائل عام ۱۹۴۳، قبل بضعة أشهر فقط من تحرير المدينة على يد جيوش الحلفاء. ويروي شقيقها الأكبر القصة كيف انه كان قد خرق حظر التجول وانطلق في شوارع مظلمة لإعلام القابلة المولدة، وذلك بتجنبه الجنود الألمان على طول الطريق.

في أعقاب عمليات الإرهاب والاضطهاد التي قام بها الاحتلال الألماني، أدت عملية تحرير البلاد إلى إدخال فترة من الانفتاح والأمان للجالية اليهودية التونسية. وتعلمت آني اللغة العبرية في المدرسة اليهودية في الكنيس ومن ثم اللغة الفرنسية – لغة الأم – في المدارس الحكومية.
لدى آني ذكريات جميلة من سنواتها الخمس عشرة الأولى من حياتها في تونس، في مدينة تعج بالحركة والحيوية ومع مجتمع يهودي نابض بالحياة. وتقول: “كانت الحياة بسيطة، وحافظ الجميع على علاقات بصورة جيدة. وعندما كان يجري احتفال يهودي كان يشارك فيه المسلمون والمسيحيون، والعكس بالعكس. كنا نحتفل الفروقات بيننا”. لقد كان شئ مفرح عندما كانت آني تلتقي عن طريق الصدفة بتونسي في الشوارع أو في الأسواق في الولايات المتحدة. وكانت المحادثات تدور دائماً حول سرد حكايات عن الأوقات الممتعة ومشاركة الذكريات الجيدة عن ماضيهم. ولا تزال الحساسيات الثقافية العربية من فترة شبابها قائمة. فالأقراص المدمجة التي بحوزتها تشمل بعض الموسيقى العربية، جنباً إلى جنب مع تسجيلات لمطربين فرنسيين قلائل، على الرغم من وجود كلمات عبرية في جميع الأغاني العربية التي تغنى من قبل مطربات إسرائيليات.
وكان عم آني، أميل فلوس، طبيب من “بَاي تونس” [والي ممثل الدولة العثمانية في تونس أصلاً، وأصبح في عهد الحسينيين مستقلاً بحكمه عن العثمانيين]، بشغله أولاً منصب الممثل الملكي لمحتلي تونس العثمانيين ثم الرئيس الفخري للحكومة تحت الحكم الفرنسي. إن تقلد منصب طبيب “بَاي تونس” كان وظيفة مرموقة جداً. عاش في منزل من الطراز العربي الكبير في المرسى – وهي قرية خلابة على طول الساحل بالقرب من قرطاج في شمال تونس. وكطفلة، كانت آني وأشقاؤها يزورون عمها وكانت الأسرة بأكملها تقضي بعض الوقت في “مقهى ساف ساف” القريب، يحتسون الشاي ويشاهدون الجمل يدور في دائرة عند سحبه المياه من البئر.
جلب الاحتلال الفرنسي في القرن التاسع عشر بعض الحماية للجالية اليهودية. وإحدى الأعمال الأولى التي قام بها الاحتلال كان فتح “الغيتو [الحي] اليهودي المعروف بالحارة” في تونس وتوفير الفرص التعليمية والحقوق القانونية لليهود. وفي المقابل، توقع الفرنسيون أن يعلن اليهود ولاءهم الأولي لفرنسا. ومع ذلك، رفض العديد من اليهود التونسيين العرض الفرنسي، مفضلين استمرار العيش، من الناحية الفعلية، تحت السيطرة الإسلامية كما فعلوا لفترة دامت قرون. كان اسم جدة آني هو كاسترو – اسم يعود إلى حقبة طرد اليهود من اسبانيا خلال “محاكم التفتيش”. وكطفلة لم تستطع آني أن تفهم سبب كون اللغة العربية اللغة الوحيدة التي تكلمتها جدتها طوال حياتها، وتتذكر كيف حاولت أن تعلمها العد باللغة الفرنسية. ومع ذلك، فإن أولئك الذين أصبحوا فرنسيين احتفظوا بهوية يهودية قوية وبدورهم في المجتمع اليهودي من خلال المشاركة في شؤون المؤسسات الدينية.