عزري شرعبي

Azri Sharabi - عزري شرعبي

الهامش الأخير لـ “البساط السحري”
مجلة هداسا
بقلم ويندي إيليمان

“آخر بقايا أبناء الطائفة اليهودية في اليمن يتركون في النهاية تلك البلاد، وأولئك الذين غادروا منذ وقت طويل هم على استعداد للترحيب بالقادمين الجدد بأذرع مفتوحة.”

كان أكثر ما استطاع عزري شرعبي أن يكون قريباً من اليمن هو عندما كان يخدم في البحرية الإسرائيلية منذ أكثر من 30 عاماً. ويتذكر “كنا نقوم بدورية في البحر الأحمر، وفجأة، كانت هناك جذوري، على بعد 300 ياردة فقط على الشاطئ!”

ولد شرعبي في إسرائيل قبل 58 عاماً، وتشكل خلفيته اليمنية عنصر رئيسي في هويته، جنباُ إلى جنب مع الجنسية الإسرائيلية والديانة اليهودية. وكان والداه قد تركا اليمن في عام 1938، ولكنه، مثل جميع اليهود اليمنيين في إسرائيل، يشعر بارتباط نحو بقايا أبناء الطائفة اليهودية في اليمن التي يعود تاريخها إلى ما قبل 2500 عام، والتي تكافح الآن لمغادرة اليمن. ويقول بأن ليس لديه أقارب أو معارف بينهم، ولكن “لن يفتقروا إلى أي شيء في إسرائيل. نحن جميعا هنا من أجلهم”.

هل سيشعر القادمون الجدد بأنهم قريبين إلى أشخاص مثل أفراد عائلة شرعبي وغيرهم من أبناء الجالية اليهودية اليمنية في إسرائيل البالغ عددهم 360000 شخص والذين وصلوا إلى البلاد منذ فترة طويلة؟ تقول شوشي، زوجة شرعبي، البالغة من العمر 49 عاماً، “سوف يميزون طعامنا وموسيقانا، كما سيشعرون في بيتهم عندما سيكونون في مجتمعنا ومعابدنا. لكن سيكون هناك الكثير من الأمور التي ستجعلهم غير مرتاحين”.

إن إحدى تلك الأمور تتعلق بشوشي نفسها. فبدلاً من اختيارها حياة تقتصر على التدبير المنزلي وإنجاب الأطفال، كما هو تقليدياً في المجتمع اليمني، لديها وظيفة تشغلها على مدى السنوات الـ 15 الماضية. وأمر آخر هو ابنها عوديد البالغ من العمر 17 عاماً، ذلك الفتى في سن المراهقة الواثق من نفسه والذي يبرز غطاء رأسه (عندما يضعه) أو “الكيپا” [الذي يضعه اليهود المتدينين على رؤوسهم] عالياً فوق شعره الملتوي في ضفائر طويلة سوداء. والأمر الثالث هو ابنتها المرحة، عَدي، 19 عاماً، التي ترتدي البنطلون، وتحمل بصورة واثقة بندقية إم -16 حيث تشغل حالياً منصب ضابطة تعليم في وحدة للمظليين تابعة لـ “جيش الدفاع الإسرائيلي”.

وفي حين يحافظ اليهود اليمنيون في إسرائيل بصورة قوية على انتمائهم العرقي، إلا أنهم تطوروا خلال السنوات الـ 60 الماضية من مجتمع ديني تقليدي إلى مجتمع آخر هو قبل كل شئ حديث وغربي. وبالنسبة للعديد من الـ 380 يهودي الذين لا يزالون في اليمن، فإن المجتمع الغربي العلماني، هو بالكاد أقل تهديداً من أعمال العنف الآخذة في التصاعد في اليمن ومعاداة السامية التي يواجهونها. وكانت النتيجة أن 56 من الـ 100 يهودي الذين تم إخراجهم من اليمن في العام الماضي – وفقاً لطلب جماعة من اليهود المتدينين المتشددين في شمال أمريكا – قد اختاروا اللجوء إلى مدينة مونسي الأشكنازية في ولاية نيويورك بدلاً من الهجرة إلى إسرائيل.

ويقول المدير العام لـ “قسم الهجرة والاستيعاب في الوكالة اليهودية” إيلي كوهين، “ليس هناك شيء خاطئ [من العيش] في الولايات المتحدة، ولكن إسرائيل هي وطن اليهود”.

لقد كانت “الوكالة اليهودية” – التي تم تنبيهها من قبل المديرة التنفيذية لحركة الشباب الصهيونية “مغشيمي حيروت [منجزي الحرية] في العالم”، كارما فاينشتاين كوهين – هي التي جلبت سراً آخر المهاجرين اليهود من اليمن إلى إسرائيل. وتقول فاينشتاين كوهين “في أواخر عام 2008، دخل رجل إلى مكتبي في نيويورك وقال: ‘أنا بحاجة إلى مساعدة. أنا من اليمن، ولدي عائلة هناك’.” واتصلَتْ بالوكالة اليهودية، وخلال العام التالي، وجدت نفسها تتوسط بين الوكالة، والجماعات اليهودية المتشددة في الولايات المتحدة واليهود اليمنيين في اليمن وخارجها.

وكان معظم اليهود اليمنيين (نحو 50000 شخص) قد غادروا إلى إسرائيل في “عملية البساط السحري” بدءاً من حزيران/يونيو 1949 وحتى تشرين الأول/سبتمبر 1950، ولكن بقي عدد قليل منهم في اليمن. وقد حصل أولئك – الذين بقوا في اليمن – جنباً إلى جنب مع ذريتهم على حماية رسمية من قبل الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، ويُمنع عنهم ممارسة السياسة والانخراط في الجيش ولكن يسمح لهم ممارسة شعائرهم الدينية في دولة يبلغ عدد سكانها 23 مليون مسلم.

ومع ذلك، تُعرف اليمن بتاريخها الملئ بالفوضى وعدم الاستقرار السياسي. واليوم، حيث أن عدد الأسلحة يتجاوز عدد السكان في البلاد، ووجود تمرد شيعي مدعوم من قبل إيران في الشمال ووجود متمردين سنة انفصاليين في الجنوب والحضور المتزايد لـ “تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية”، كل ذلك أدى إلى استهداف الجالية اليهودية على نحو متزايد. ففي 10 كانون الأول/ديسمبر 2008، أمطر ضابط سابق في سلاح الجو اليمني خمس رصاصات نحو رجل كان يتسوق في السوق في ريدة التي تقع على بعد 190 ميلاً إلى الشمال الشرقي من عدن، صارخاً : “يهودي! غيّر معتقدك الديني أو تجابه الموت”. وكان الضحية هو موشي نهاري، مدرس للغة العبرية وذبّاح حسب الطقوس الدينية اليهودية، وأب لتسعة أطفال وشقيق الحاخام المحلي. ويقول كوهين “عندما اغتيل نهاري لكونه يهودياً، فقد كان واضحاً للجالية اليهودية أن الوقت قد حان لمغادرة البلاد. “فقد تحولوا الآن ضدنا.”

وهبط المهاجرون الأوائل الإحدى عشر في مطار بن غوريون في تل ابيب في 19 شباط/فبراير، 2009. وكان من بينهم سعيد بن إسرائيل وزوجته وأطفاله السبعة. وكانت قد أُلقيت قنبلة يدوية في فناء بيتهم في ريدة بعد وقت قصير من مقتل نهاري.

وتقول أريئيل دي بورتو من “الوكالة اليهودية”، التي التقت بالقادمين الجدد في المطار، “شعرت بأنني أشهد فترة تاريخية. ولم أكن وحيدة في ذلك. فمن موظفي الجمارك إلى عاملي الأمتعة،
رحب بهم الجميع بفرح”.

وتضيف، كان لديهم القليل من الأمتعة ولكنهم جلبوا فرن الطين الكبير الذي يستخدمونه لتدفئة وخبز الخبز. “وكانت للفتيان والرجال زلوف طويلة وارتدوا ملابس غربية، إلا أن النساء كن ترتدين الحجاب والعباءات الطويلة، مما جعلهن يبدون وكأنهن مسلمات أكثر من كونهن يهوديات”.

وأياً كان مظهرهم، فهؤلاء ليسوا اليمنيين من “عملية البساط السحري” المشهورين بإشعالهم النار على متن الطائرات التي أقلتهم لتدفئة أنفسهم. فالقادمين الجدد على علم باحتياجاتهم. الأول من بينها هو أسلوب حياة يشابه ذلك الذي يتّبعه المتدينون المتشددون، وثانياً هو امتلاك منزل. وثالثاً تجنب جميع أنواع الدعاية ورفض شامل للقاء الصحفيين.

ويختلف وصولهم اختلافاً تاماً عن ذلك الذي مثّل وصول والد عزري شرعبي، الذي يبلغ عمره الآن 100 عام. ويقول ناثان شرعبي، “في عام 1911، عندما كان عمري عامين، عبأت عائلتي أمتعتها على ظهور حمير، وخرجت في طريقها إلى أرض إسرائيل. وفي الطريق، التقينا بأحد أصدقاء والدي الذي قال أنه لا يوجد عمل أو غذاء هناك، لذلك عدنا أدراجنا. وعندما كان عمري 28 عاماً، حاولت مرة ​​أخرى الخروج من اليمن مع زوجتي مريم ووالدتي الأرملة ليآ. مشينا سيراً على الأقدام إلى عدن حيث وجدنا سفينة. وخلال إبحارنا قيل لي بأنه كانت قد هبّت عاصفة شديدة جداً في البحر، لكنني لن أشعر بشئ حيث كنت نائماً خلال حدوثها. وعندما رست السفينة في حيفا، أرسلونا إلى مدينة ريشون لتسيون قرب تل ابيب”.

وريشون لتسيون، التي تقع على بعد سبعة أميال إلى الجنوب الشرقي من مدينة تل أبيب ورابع أكبر مدينة في إسرائيل والتي يبلغ عدد سكان يبلغ ربع مليون شخص، هي واحدة من عدة مدن إسرائيلية تسكنها الجالية اليهودية اليمنية. ويضيف شرعبي، “في اليمن كنا نزرع الألياف وننسج من خيوطها الأقمشة ونبيعها في السوق. وفي ريشون لتسيون، شقت طريقي بصعوبة [للحصول على] لقمة العيش…. فكنت أحمل أحمال الناس الثقيلة. لم يكن ذلك آمناً طول الوقت. فقد كان هناك عرب في الطريق، وكان يُطلق عليّ الرصاص في بعض الأحيان. كنت أكسب عدة مليمات، ولم يكفي ذلك دائما للحصول على الطعام. كنت أبحث في الشوارع عن رغيف كان قد تم رميه.”

وفي بيتهم الصغير، قام ناثان وميريام بتربية خمسة أطفال، وكان عزري هو الأصغر. وخلال السنوات التسع الماضية منذ وفاة مريم، عاش ناثان مع عزري وعائلته”. وتقول شوشي، “طوال ذلك الوقت لم أسمعه أبداً يتكلم كلمة واحدة سواء كانت انتقادية أم غير مرضية”.

ناثان هو “بابا”، أو رجل مقدس. وتقول عَدي “عندما كنت طفلة، كنت أشعر أحياناً أنه لا يصغي إليّ. وفي وقت لاحق أدركت أنه كان في عالم آخر ولم يسمعني.”

ويمارس عزري وشوشي شعائرهما الدينية حسب الطقوس التقليدية، فهم ليسوا أرثوذكسيين، وحتى أبنائهم هم أقل مراعاة للشعائر الدينية. هل يتأسف “بابا” ناثان لمغادرته اليمن وتربيته أجيال يزدادون علمانية؟ يقول، “أنا من بني إسرائيل. إن أعمق صلاتي قائمة هنا [في بلدي]. أنا فخور بأولادي وأحفادي، على الرغم من أن مسار حياتنا مختلفاً. هم جزء مني، وأنا جزء منهم “.

ويقول عوديد، “ترعرُعي مع جدي كان يعني ترعرُعي مع التقاليد اليهودية. أنا مواطن إسرائيلي ذو ثقافة يهودية يمنية. لا أشعر أي تعارض بين هذه الهويات. فأصدقائي أيضاً هم مزيج [من خلفيات مختلفة]. هذه هي الحياة في إسرائيل”.

وبالمثل، تشعر عَدي أيضاً بأنها مزيج مستمر من اليمنيين والإسرائيليين، واليهود. وتوضح، “كل ذلك بنى شخصيتي وجعلني من أنا. إنني أقدر قيمة الثقافة الغنية التي أنتمي إليها، من طعامها إلى أدبها. سوف أنقلها لأولادي، حتى لو كان والدهم غير يمني”.

وصديقها لأكثر من عام هو من سكان مزرعة جماعية يهودية (الكيبوتز) ذو أصول بولندية – ألمانية. وتقول مبتسمة، “أعتقد أن عائلته تراني غريبة بعض الشيء. لكن كلانا إسرائيليان وكلانا يأتي من أُسر حميمة وليبرالية ومنفتحة”.

إن إحدى التغييرات الواضحة جداً التي فرضتها “الهجرة” على اليهود اليمنيين هي حجم الأسرة. وتقول شوشي، “كان بودي إنجاب المزيد من الأطفال، لكن بيتنا صغير. إن ذلك غير دارج هذه الأيام كما كانت طبيعة الحياة أيام آبائنا، عندما كنتَ تحشر ثلاثة أطفال في سرير واحد و 10 أطفال في غرفة واحدة. وكما هو الوضع اليوم، يشارك عوديد وعَدي غرفة واحدة، وأنا غير راضية عن ذلك، ولكن عزري لا يريد أن يكون مُديناً أي شيء لأي شخص، ولذلك بقينا في منزلنا الصغير”.

ويعمل عزري، كعامل في قسم المرافق الصحية بينما تعمل شوشي منظفة. وتقول، “ليس هناك خجل في عملي كمنظفة، ولكن المهنة شاقة والأجور ليست عالية. أريد أن يحصل أطفالي على أكثر مما لديهم حالياً. لقد عملنا لإعطائهم الأدوات اللازمة لكي يتقدموا بصورة أكثر. والأمر الآن متروك لهم.”

لقد استغرق الأمر جيلين لكي تخترق عائلة شرعبي أبواب الفرص. فاليهود اليمنيين الذين هاجروا إلى أرض إسرائيل في الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين قد وصلوا إلى بلادهم الجديدة دون أن يكونوا قد اكتسبوا ثقافة وتعليم حديثين، وكانوا غير مهيئين للحياة في دولة صناعية. ولكن أخلاقيات العمل القوية التي تمتعوا بها ورغبتهم في العمل في وظائف منخفضة المستوى قد مكنت أبناءهم من أن يصبحوا معلمين وإداريين ومهندسين ومبرمجين وفنانين وموسيقيين وأطباء ومحامين، دون الانتقاص من إيمانهم بالصهيونية.”

إن الأربعة وأربعين مهاجر يمني الذين وصلوا حديثاً (بما في ذلك خمسة من أطفال الرجل المقتول موشي نهاري؛ لكن والدتهم بقيت في اليمن تكافح من أجل معاقبة القاتل)، وأولئك الذين يؤمل وصولهم، من المرجح أن يتبعوا مساراً مختلفاً للغاية عن ذلك الذي اتبعه المهاجرون القدامى. فمسارهم سوف يؤدي مباشرة إلى عالم أشكنازي النكهة وغالبا ما يكون معادياً للصهيونية ويتبع الأرثوذكسية المتشددة، حيث يرون هذا المسار بأنه الأقرب إلى تقاليدهم الدينية الفريدة الخاصة بهم.

لقد انتقل أبناء عائلة “بين إسرائيل”، الذين هم القادمين الجدد الوحيدين الذين غادروا مركز الاستيعاب، إلى حي اليهود الأرثوذوكس المتشددين في بيت شيميش حيث ستساعدهم الوكالة اليهودية في شراء منزل. وقد التحق أطفالهم في مدارس لليهود الأرثوذوكس، بينما يقوم سعيد، الذي كان مدرس في ريدة، بالتدريس في بيت شيميش. وزوجته هي ربة بيت، ولا تزال ترتدي الملابس ذات الجلابيب الطويلة.

ويقول عزري شرعبي بنبرة معتدلة، “يحق لكل شخص أن يعيش حياته الخاصة. الشيء المهم هو أن نحترم بعضنا البعض.”

ويقول كوهين، “إن الناس الذين يأتون إلى هذه البلاد هم من عائلات شابة حيث أمامهم مستقبل ملئ بالأمل. إسرائيل هي وطنهم، بقدر ما هي وطن كل يهودي. ليس هناك من سبب بأن لا ينعموا بحياة مزدهرة هنا.”